الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب
.كتاب الضمان: وفي المضمون له وجهان، والأكثرون على أنه لا يشترط، فإن شرط، ففي القبول وجهان، فإن شرط، فلابد من أن يتصل بالضمان، كاتصال القبول بالإيجاب في سائر العقود، وإن شرط الرضا دون القبول، جاز أن يتقدم على الضمان تطويل الزمان، فإن تأخر عنه، فهو كالإجازة، إن جوّزنا وقف العقود. وإن لم يشترط رضاه، ولا قبوله، فهل يشترط أن يعرف الضامن المضمون له، والمضمون عنه؟ فيه أوجه: أحدها: يشترط معرفتهما، والثاني: لا يشترط، والثالث: يشترط معرفة المضمون له وحده، واختاره في التقريب، والرابع- يشترط معرفة المضمون عنه وحده. .فصل: في رجوع من أدى دين إنسان بغير ضمان: وفي اقتضاء الهبة المطلقة للثواب أقوال: ثالثها- التفرقة بين أن يكون الواهب ممن يستثيب مثله من المتهب أو لا يكون، فرتَّب أبو محمد الرجوع بالدين على وجوب الثواب، وجعل الدين أولى بالرجوع، وقال: لا يمتنع تخريج وجه ثالث يفرق فيه بين أن يكون المؤدي ممن يسترفد من الأمراء أو لا يكون. ولو أَوْجر إنساناً طعاماً في غير المخمصة، لم يرجع. .فصل: في إجبار المضمون له على قبول الدين من الضامن: وإن ضمن بإذن الأصيل، فإن أثبتنا الرجوع، أجبر المضمون له على القبول، وإن لم نثبت الرجوع، ففي الإجبار على القبول وجهان، كالوجهين فيمن أمر بقضاء الدين من غير ضمان، وقلنا: لا رجوع. والأشهر الإجبار؛ لوقوع الأداء بإذن المدين. ولو قال: أدّ ديني بشرط الرجوع، فلا خلاف في الإجبار على القبول. .فصل: في رجوع الكفيل على الأصيل: الثانية- أن يقعا بإذنه، فيرجع عليه اتفاقاً، سواء شرط الرجوع، أو لم يشترط، ويحتمل إذا لم يشترط الرجوع أن يخرج على الوجهين فيما إذا قال للأجنبي: "أدّ ديني"، ولم يشترط الرجوع، وقد رمز إليه في التقريب، ولم يصرح به أحد من الأصحاب. الثالثة- أن يضمن بالإذن، ويؤدي بغير إذن، فثلاثة أوجه: الثالث- إن أجبر على الأداء، ولم يقدر على مؤامرة الأصيل، رجع. وإلا، فلا، وهو الذي ذكره العراقيون، ومال إليه في التقريب، واختار الأمام أنه يرجع في الحالين. الرابعة- أن يضمن بغير إذن، ويؤدي بالإذن، فوجهان: رتّبهما الإمام على ما إذا أمر الأجنبي بأداء الدين، ولم يشترط الرجوع، والضامن أولى بألا يرجع. .فصل: في إشهاد الضامن على الأداء وتقصيره فيه: فإذا أدى ولم يُشهد، فإن كذبه الأصيل وربُّ الدين، فلا رجوع، وإن صدقه الأصيل، وكذبه رب الدين، وحلف، فوجهان. وإن كذبه الأصيل، وصدقه المدين، سقط الدين، وفي الرجوع وجهان: فإن منعنا الرجوع إذا ترك الإشهاد، فادعى أنه أشهد عدلين وماتا، فإن صدقه الأصيل، رجع على الأصح، وإن كذبه، فوجهان. وإن قال: أشهدت زيداً وعمراً، فكذباه، فهو كترك الإشهاد، على ما دلّ عليه كلام الأصحاب. وإن قالا: لا نُبْعد أنا شهدنا ونسينا، ففيه تردد، وهو أولى بالمنع مما إذا ادعى موت الشهود. فرع: 4281- إذا منعنا الرجوع عند ترك الأشهاد، فأدى الدين مرّةً أخرى، وعلم الأصيل بذلك، فالأصح أنه يرجع. وهل يرجع بما غرمه أولاً، أو بما غرمه ثانياً؟ فيه وجهان، يظهر أثرهما عند اختلاف صفتهما. .فصل: فيما يرجع به: لتحصيله براءة الأصيل. فرع: 4283- إذا أمر أجنبياً بقضاء دينه، فأدى عرضاً، برىء المدين، وفي الرجوع أوجه: أصحها- الرجوع كالضامن، والثالث: إن قال: أدِّ ديني، رجع. وإن قال: أدِّ الدنانير التي عليَّ، لم يرجع. فرع: 4284- إذا ادّعى على حاضر وغائب أنهما اشتريا عبده وقبضاه، ثم ضمن كل واحد منهما ما على الآخر، وأقام بينة بذلك، حكم عليهما بالثمن. فإن أداه الحاضر وأراد الرجوع على الغائب، نُظر، فإن لم ينكر، بل وكل عند الدعوى، أو سكت عن الجواب، فله أن يرجع، وإن صرح بالإنكار: فإن أصرّ عليه، فلا رجوع، وإن اعترف بعد ذلك، فلا رجوع على أقيس الوجهين. وإن سكت بعد قيام البينة، فلم يقر، ولم ينكر، ففيه تردُّدٌ لأبي محمد. فرع: 4285- إذا ضمن الصداق، ودفعه إلى الزوجة، فارتدت قبل الدخول، رجع ما قبضته إلى ملك الزوج، ولم يكن لها إبداله، فإن رجع الضامن على الزوج، فله إبدال ما رجع إليه؛ لأن ثبوت ملك الزوجة فيه يتضمن ملك الزوج له بطريق القرض. فرع: 4286- إذا أثبتنا الرجوع قبل الأداء، فضمن عن زيد بشرط أن يضمن له عمرو ما يرجع به، ففي صحة الضمان وجهان: فإن قلنا: لا يصح، فلا شيء على الضامن. وإن قلنا: يصح، ثبت الشرط، فإن لم يف به، تخير الضامن في فسخ الضمان، كالبيع إذا شُرط فيه الضمان، وهذا بعيد؛ إذ الضمان لا يقبل الخيار، ولا نعرف خلافاً أن الضمان بشرط الخيار باطل. فرع: 4287- إذا ضمن العبد دين سيده بإذنه، ثم أداه بعد العتق، ففي رجوعه به وجهان، كالوجهين في رجوعه بالأجرة إذا أعتقه وهو مأجور. .فصل: في رجوع الضامن قبل الأداء ومطالبته بالتخليص: ولو حُبس الضامن، وأثبتنا له الرجوع قبل الأداء، فله أن يطلب حبس الأصيل، وأبعد من منع ذلك. .فصل: في ضمان المجهول وما لم يجب: وإن أمكن التوصل إلى معرفته، فقولان: القديم- أنه يصح، ولا يطالب إلا بعد الوجوب، وليس له الفسخ بعد الوجوب، وفيما قبله وجهان. فإذا قال: "ضمنت لك ثمن ما تبيعه من فلان"، صح، وإن لم يعين المبيع، ويصير بذلك ضامناً لجميع الأثمان. وإن قال: "إذا بعتَ من فلان، فأنا ضامن للثمن"، فإنه يختص بثمن العقد الأول. وأما معرفة المضمون له، فإن شرطناها في الدين الثابت، فهاهنا أولى، وإن لم نشرطها ثَمَّ، ففيه هاهنا-لكثرة الغرر- وجهان، ثم تجري الأوجه الأربعة، واشتراط المعرفة هاهنا أولى؛ لما فيه من غرر الجهل، وعدم الوجوب. ولو علق ضمان الدين الواجب بوقت معلوم، أو بقدوم إنسان، جاز على هذا القول. وأما القول الجديد-وبه الفتوى- فيشترط في معرفة الدين ما يشترط في معرفة الأثمان، ويصح إن عرفه الضامن وجهله المضمون عنه، وإن جهله المضمون له، فوجهان مأخوذان من اشتراط قبوله ورضاه، ولو عرفه الأصيل، والمضمون له، وجهله الضمين، لم يصح الضمان. ولو ضمن ما لم يجب، بطل، إن لم يوجد سبب وجوبه، وإن وجد، فقولان مشهوران، وذلك مثل أن يضمن نفقة الزوجة لمدّة معلومة، مما يستقبل من الزمان. وإن ضمن الثمن في مدة الخيار، صح وجهاً واحداً، وفيه احتمال، لاسيما إن بقَّينا الملك للبائع. وإن قال: "ضمنت من درهمٍ إلى عشرة"، وجوّز كون الدين درهماً، وكونه عشرة، ففي ضمان العشرة وجهان. وفي ضمان الجُعل قبل العمل طريقان: إحداهما- المنع. والثانية- على القولين فيما وجد سبب وجوبه ولم يجب. ولا يصح ضمان نجوم الكتابة؛ إذ لا تلزم بحال. وأبعد من خرجها على القولين فيما لم يجب، ووجد سبب وجوبه، وفي ضمانها على القديم وجهان. فرع: 4290- إذا جوزنا للضامن تغريم المضمون عنه قبل أداء الدين، فضمن عن زيد بإذنه على أن يضمن عن زيد بهذا الضمان عمرو، ففي صحة الضمان بشرط الضمان وجهان: فإن قلنا: لا يصح، فسد الضمان، ولا شيء على الضامن. وإن قلنا: يصح، فإن وفَّى المضمون عنه، وأعطى الضامن، فذاك، وإن لم يف، تخير الضامن بين فسخ الضمان والبقاء عليه، كنظيره في الضمان المشروط في البيع. وهذا بعيد عن وضع الضمان؛ فإن البيع يقبل الخيار، والضمان لا يقبله. ولا خلاف أن شرط الضمان مفسد للضمان. .فصل: في ضمان الدَّرَك ويسمَّى ضمان العهدة: وإن ضمن سلامة الثمن عن الزيف، ففيه الأقوال، وكذلك ضمان نقصان صنجة الثمن عند ابن سُريج على الأقوال. فإن جوزنا ضمان عهدة الاستحقاق، فصرح بالضمان إن فسد البيع بشرط مفسد، أو بفوات شرطٍ معتبر أو إن رد المبيع بالعيب، فوجهان. والفرق إمكان التحرز من المفسدات، وتعذره عن الاستحقاق. فإن جوزنا ذلك، ففي اندراجه في مطلق ضمان العهدة وجهان. ولو خص الضمان بالاستحقاق، اختص به اتفاقاً، وكذلك إن خصه بغيره من المفسدات، إن جوزنا ذلك. ولا يعلّق ضمان العهدة بالإقالة إن جعلت بيعاً، وكذلك إن جعلت فسخاً، على الجديد؛ إذ لا استناد لها إلى العقد، بخلاف الرد بالعيب. فرع: 4292- إذا استُحق بعض المبيع، أُخذ الضامن بما يقابل المستحق. وفي فساد البيع في الباقي قولان: فإن أفسدناه، ففي تعلق الضمان به الوجهان في عهدة المفسدات، وإن لم نبطله، فاختار الفسخ، ففيما يقابل المفسوخ وجهان، كالرد بالعيب. فرع: 4293- إذا ضمن نقص الصنجة، فادعى البائع نقص الثمن، فالقول قوله، وليس له مطالبة الضامن إلا ببيّنةٍ أو اعتراف. هذا قياس الأصول. ولو كان الثمن عشرة، فادعى المشتري إقباضها، وقال البائع: إنما قبضت تسعة، فالقول قول البائع، وله مطالبة المشتري، وليس له أن يطالب الضامن، على أقيس الوجهين. .فصل: في ضمان الحال مؤجلاً، والمؤجل حالاً: فإن قلنا: يصح، ففي ثبوت الأصل وجهان، مأخذهما أن الشرط الفاسد هل يفسد الضمان؟ فإن أثبتنا الأجل، فهل يثبت تبعاً، أو مقصوداً؟ فيه وجهان، يظهران عند موت الأصيل. فإن جعلنا الأجل تابعاً، حلّ الدين على الضامن، وإلا فلا. فرع: 4295- إذا ضمن الصداق ضماناً موجباً للرجوع، ودفعه إلى الزوجة، فارتدت قبل الدخول، فإن كانت العين باقية، رجعت إلى الزوج، وليس لها إبدالها، فإذا رجع الضامن على الزوج، لم يلزمه أن يرد عليه تلك العين. ولو ضمن العبد عن سيده ديناًً بإذنه، فأداه بعد العتق، ففي رجوعه به على السيد وجهان، كالوجهين في رجوع العبد المأجور بأجرة مثله إذا عَتَق في أثناء المدة. فرع: 4296- إذا جوزنا ضمان المؤجل حالاً، فأطلق الضمان، ودَيْن الأصيل مؤجل، فهل يثبت الضمان حالاً أو مؤجلاً؟ فيه وجهان: أظهرهما- ثبوت الأجل، وعلى هذا هل يشترط أن يعرف تأجُّل الأصل، ومقدار الأجل؟ فيه على الجديد وجهان. .فصل: في تعليق الإبراء والضمان: وقال الإمام: إن لم يشترط فيه القبول، ففيه احتمال، وإن علقه، فقد أجازه الإمام على القديم. فرع: 4298- إذا جوزنا تعليق الضمان، وجهالة المضمون، فقال: بع عبدك من فلان بعشرة، وأنا ضامن لها، أو قال: إذا بعته منه بعشرة، فأنا ضامن لها، فباعه منه بعشرين، لم يلزمه العشرة الزائدة، وفي لزوم العشرة الأخرى خلاف، يجري فيما إذا باعه بخمسة، ومذهب ابن سُريج أنها لا تلزمه لمخالفة البائع لشرطه. ولو قال: أقرضه عشرة على أني ضامن، فأقرضه خمسة عشر، لزمه ضمان العشرة اتفاقاًً؛ لأن أجزاء القرض لا يجمعها عقد رابط، بخلاف البيع؛ فإنه إذا باعه بخمسة عشر، فقد باع ثلثيه بعشرة، فلم يوجد الشرط، ولو أقرضه خمسة، فقد قطع ابن سُريج بلزومها، وهو خلاف قياسه. فرع: 4299- يجوز ضمان إبل الدية، والإبراء عنها في الجديد والقديم، سواء ثبت للضامن الرجوع أم لم يثبت، وهل يرجع الضامن بالإبل، أو بقيمتها؟ يحتمل وجهين، كما في بدل القرض. .فصل: في الاختلاف في قبض الأصالة أو الكفالة: ولو ادعى استحقاق المبيع، فقال المشتري: كان ملكاً للبائع إلى أن اشتريته منه، ثم ثبت الاستحقاق، فإنه يرجع بالثمن على البائع، وأبعد من منع الرجوع. .فصل: فيمن يصح ضمانه ومن لا يصح: وإن أطلق، فالأصح أنه يتعلق بكسبه، وبما في يده، فإن علقناه بما في يده، أو أذن له في الأداء مما في يده، فإن كان محجوراً عليه بالفلس بالتماس الغرماء، فلا يتعلق الضمان بما في يده؛ لتعيُّنه لديون المعاملة. وإن لم يكن عليه حجر، وكان بيده عشرون وعليه من المعاملة عشرة، والضمان عشرون، ففي تعلق الضمان بما في يده أقوال: أحدها: لا يتعلق؛ لأنه كالمرهون بدين المعاملة، فليس له التصرف فيه إلا بالمعاملة. والثاني: يتعلق تعلق دين المعاملة، فيوزع على قدر الدينين. والثالث: أنا نقدم دين المعاملة، ونصرف الفاضل إلى الضمان، فلو كان بيده عشرون، وعليه من المعاملة والضمان عشرون عشرون، صرفت العشرون إلى المعاملة، ولو أبرىء عن دين المعاملة، ففي صرف العشرين إلى الضمان قولان، هما الأول والأخير في الصورة السابقة. فرع: 4302- إذا لزمته ديون معاملة ولا حجر، فحكم تبرع السيد بما في يده حكم الضمان المأذون فيه، فإن منعناه، فالإعتاق لما في يده من الرقيق كإعتاق الراهن على ما ذكره أبو محمد. فرع: 4303- إذا لم نعلق العهدة بالسيد، ونفذنا تبرعه، فتبرعه كالاسترداد، ولو استرد ما في يده بعد ثبوت دين المعاملة، لانقلبت عهدة الدين إليه. .فصل: في ضمان السيد عن عبده: وإن ضمن دين المعاملة، فإن أداه في الرق، فلا رجوع؛ لأنه استخلص بأدائه ما في يد العبد من ماله، وأبعد من أثبت له الرجوع، وبناه الإمام على الوجهين في المأذون إذا أدى دين المعاملة بعد العتق. فإن قلنا: يرجع على السيد، فلا رجوع للسيد هاهنا. وإن قلنا: يرجع ثَمَّ، ففي رجوع السيد هاهنا وجهان. وأما المكاتب، فيصح ضمان ما عليه لغير السيد، ولا يصح ضمان نجومه على المذهب، وإن كان للسيد عليه دين معاملة، فضمنه أجنبي، فإن قلنا: لا يسقط إذا رق، صح الضمان، وإن قلنا: يسقط، فهو كالنجوم.
|